الثلاثاء، 22 يناير 2013

البارحة

البارحة البارحة كانا بخير كانا يلعبانِ بجواري سعيدين ،، لعبا حتى تعبا وكأن الغد سيحرمهم لذة اللعب،

قُلتُ لهما يا صغيري قِفى لقد اجهدتما أنفسكما باللعب ،، هيا أُدخلا إلى البيت فقد بدأت الشمس بالغروب ،، قالا لي : يا بابا

اليوم مافي قصف ومافي شبيحة ومافي حدا ماسك سلاح خلينا نلعب  .لم استطع أن أحرمهما لذة اللعب الذي فجر فيهما طاقة

عجيبة فأجبتهما بالموافقة   ، فعادا على الفور للعب حتى غابت الشمس و غطت  ظُلمة الليل المكان صحيحٌ أننا في المدينة

لكن لم يترك لنا الوحوش حتى الأنوار .

دخلا للمنزل ،  لم يأكُلا حتى دخلا  فوراً إلى فراشهما متعبان ،والبسمة على محياهُما ضحكتُ وبكيت ، لقد حُرم أطفالنا

الفرح واللعب ، لقد أصبحت حياتهم  مكسوة بالخوف والقلق ، نظرتُ إلى السماء التي أصبحتُ استطيع أن أرها من غرفتي

فقد  قُصف منذ شهرٍ تقريباً لكن أحمدُ الله حينها أننا لم نكن في المنزل وكان ناتج القصف بأن فتح لي فتحةً في أسقف المنزل

سمحت لي بالنظر و التأمل في السماء والقمر الذي كُلَما رأيته ابتسمت تلقائياً ، لكن في تلك الليلة  دمعت عيناي عندما رأيته

كم تمنيت أن  أُرسل ولداي للقمر حتى استطيع أن أحميهما من بطش هؤلاء أعدائي وأعدائهم   أعداء وطني الذين تغلغلوا

في أراضيها واصبحوا يكبتون أنفاسنا ، وأضاقوا أرزاقنا .

نظرت إلي زوجتي وقالت : مابالك تدمع ؟ لم أرك يوماً مهموماً كَل يوم ، استجمعتُ قوتي وكبتُ انفاسي لوهلة أخبرتها بأن

قلبي ليس مطمئناً لا اعلمُ لما ، قالت لي لا تخف فنحنُ بعون الله منصورون  وكلُ ما يحدث هو قضاءٌ وقدر ، نظرتُ إليها

نظرة المتأمل المتفائل فقد جعلتني كلاماتها البسيطة استرد بعضاً من قوتي , وأغمضتُ عيناي أملاُ في أن أنام وأملاً في  أن

يكون الغدُ أفضل حالاً من اليوم .

حل الصباح ،، كم اشتقتُ إلى تلك الأيام التي كُنت استيقظٌ بها على صوت العصافير ، أو على أصوات الأطفال وهم ذاهبون

لمدارسهم ،  لقد حرمهم هذا السفاح وأعونه من متعةِ الذهاب إلى المدرسة لقد قذف الرعب في قلوبهم ،مضت سنة  على

بداية ثورتنا وهو لا يُريدُ التنحي أو الخروج لم يمل من القتل والتشريد والإعتقال والتخريب والدمار ، قمتُ من الفراش

المتصلب الذي لم ألقى أنا وزوجتي أفضل منه فقد سرق أعوان السفاح أجمل وأفضل وأغلى ما نملك من متاع ،  غسلتُ

وجهي بقليلٍ من الماء المتبقى لدينا وتركتُ الباقي لأطفالي وزوجتي، خرجتُ من المنزل وذهبتُ أملاً في أن يكون لي

نصيبٌ برغيفين من الخبز على الأقل فقد أصبح الخبزُ لدينا بمثابة الكنز  .

الحمدلله حظيت بأربعة أرغفة من الخبز ، وأنا في طريقي إلى المنزل سمعتُ دوياً عالياً قادماً من مكان منزلي جريتُ سريعاً

لأعلم من يحدث هُناك ،،

 هُنا كانت الصاعقة بالنسبةِ لي ،،

منزلي ،،أطفالي ،زوجتي،،، رميتُ الخبز على الأرض وهرعتُ إليهم أملاً بأن يكونوا بخير يا الله يا الله.  ،،

سارع معي أهل الحي بحمل الأنقاض سريعاً ، حمداً لله  زوجتي بخير لكن أُصيبت بشظايا  .

،،أسرعتُ لأرى حال أطفالي لاااااا، أطفالي البارحة الذين كانو يضحكون، وفرحون بأن القصف قد توقف هاقد استشهدوا

جراء قصفٍ استهدفهم  شعرتُ لوهلة أنه متعمد أن يُرسل إليهم لذنب ارتكبوه  هو  أنهم قد لعبوا وضحكوا البارحة ،أسودت

الدنيا أمامي ،  بكيتُ كثيراً لكن لا أمل بأن يعود إلي أطفالي يامن كنتم ابتسامتي وسعادتي ،هاقد رحلتم إلى من يرعاكم  حق

الرعاية.

بعد أن  قمتُ بدفنِ أطفالي ، ليتهم دفنوني و لم أدفنهم ، كم أنا مُحبط لا معنى لحياتي بعد الآن لا معني لها ، إنها الثورة إنها

السببُ في ذلك لقد جعلتني أدفن أطفالي  بسببها ، لقد جعلت منزلي يُقصف وأصابت زوجتي بشظايا  آلمتها ألم يكفها حزنها

على أطفالنا ، لم أعُد أُريدُ شيئاً ،هذه الثورة لا معنى لها سيهزمنا لا محالة هذا السفاح وسيقضي علينا أجمعين  سينهي على

حياتي وحياة زوجتي وحياة كُل من أعرفهم ، لا أمل في النجاح لا أمل في النجاح لا أمل ، كم أنا مُحبط .

مر أسبوعٌ على استشهاد أطفالي وكأنهم البارحة قد استشهدوا ، وزوجتي لا تزالُ تبكي وتتألم تارة بسبب الألم وتارةً بسبب

حُزنها على أطفالنا .

اليوم هو الجمعة ، علي أن أستعد للذهاب لنصلي جماعة طبعاً لم يعد لدينا مساجد ، سنصلي خارجاً  هذا إن استطعنا ذلك ،

كم أنا يائس من هذه الثورة التي حرمتنا كُل شيء حتى الصلاة ، ليتنى سكتنا ولم نثُر .

خرجتُ وقابلتُ رجال الحي ، جاري أبوعبد الملك أنسانٌ رائع  مثقف وعلى درجة من العلم والتفقه في الدين ،لقد فقد زوجته

وثلاثةً من أطفال ولم يتبقى له سوى ابن و ابنة لكن لا آراه إلا وهو مبتسم ويذكر اسم الله ويكبر ، لم أرى عليه نظرة اليأس

أو التشائم ، ما السبب في ذلك سأسأله علي ارتاح أنا أيضاً واصبح مثله   .


بعد مُحادثتي له ارتحتُ كثيراً عُدتُ إلى زوجتي لأخبرها ما قال  حتى تعطيني رأيها فهو يهمني كثيراُ .


قال جاري أن في الثورة ترتكب الجرائم لكن الثورة ليست جريمة ، وأن ما كتبه الله لنا هو خير صحيحٌ أننا سنفقد الكثير لكن

الرجوع إلى الوراء الآن أو الندم عليه لن ينفعنا أبداً وأن بقاء هذا النظام سيجعلنا نبقى جهلاء ،فقراء ، قال لي انظرُ إلى الدول

من حولك ، في كُلِ سنة نسمع عن تقدمهم لكن لا نسمع هنا سوى الرجوع إلى الخلف لا نسمع سوى عن ازدياد الفقر ،

وازدياد نسبة الجهل ، أين نحنُ من العلم والتقدم أين نحنُ من فلسطين الجريحة ،ألم تكتشف في ثورتنا أنه كان مسانداُ لها

لإسرائيل، وكان يتستر باسم المقاومة والممانعة حتى يغطي وقوفه إلى جانبهم ، ألم ترى أن دول العالم تُريد لنا الدمار

والخراب ألم ترى سكوتهم ألم تعلم بأن هذا السكوت لصالحهم وليس لصالحنا ، إن رجوعنا للخلف أو يأسنا لن يُفيدنا فقد بدأنا

ويجب أن ننتهي مهما كلفنا ذلك من خسائر أو أرواح ، فلو تراجعنا الآن سنُباد ، عليك بالصبر وتأكد بأن الله مع الحق ونحنُ

على حق وثورتنا حق والله مع الصابرين ، نحنُ اخترنا مصيرنا وما أجمله من مصير إما الشهادة وإما النصر .

كم كلامه جميل ، تبسمت زوجتي وقالت نعم إأنه على حق والله وكلامه لا خطأ فيه ، لكن الحُزن لا نستطيع هؤلاء أطفالنا ،

نعم الحُزن لابد منه لا اليأس يجب أن يُحارب ، الثورة ليست ممدة بالزهور إنها ممدة بالأم ،، نظرتُ إلى زوجتي نظرة

المتفائل  والمودع و قُلتُ لها أنا الآن خارج لمظاهرة ادعي لي لعلي استشهد أو أعود منتصراً ، دمعت عيناها وقالت لي  الله

معك .

خرجتُ على أمل أن انتصر أو استشهد ، وعند أول هُتاف صعدت روحه الطاهرة إلى ربها جلا وعلى مبتسماً أملاً بأن يكون
 
أطفال سوريا أحراراً .

"بقلمي"

MisS aSo0oMa...


هناك تعليق واحد: